فصل: بابُ الأذْكَارِ المشروعةِ في العِيدين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار **


 كتاب الأذكار في صلوات مخصوصة

 بابُ الأذكارِ المستحبّةِ يومَ الجمعة وليلتها والدُّعاء

يُستحبّ أن يُكْثرَ في يومها وليلتها من قراءة القرآن والأذكار والدعوات، والصلاة على رسول اللّه‏(‏ صلى اللّه عليه وسلم‏)‏ ويقرأ سورة الكهف في يومها‏.‏ قال الشافعي رحمه اللّه في كتاب ‏"‏الأمّ‏"‏‏:‏ وأستحبُّ قراءتَها أيضاً في ليلة الجمعة‏.‏

1/438 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛ أن رسول اللّه ‏(‏صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏)‏ ذكرَ يومَ الجمعة فقال‏:‏‏"‏فيهِ ساعَةٌ لا يُوَافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسألُ اللَّهَ تَعالى شَيْئاً إِلاَّ أعْطاهُ إيَّاهُ‏"‏ وأشار بيده يقللها‏.‏ (1)

قلت‏:‏ اختلفَ العلماءُ من السلف والخلف في هذه الساعة على أقوال كثيرة منتشرة غاية الانتشار، وقد جمعتُ الأقوالَ المذكورةَ فيها كلها في شرح المهذّب وبيّنتُ قائلها، وأن كثيراً من الصحابة على أنها بعد العصر‏.‏ والمراد بقائم يُصَلِّي‏:‏ من ينتظرُ الصلاة فإنه في صلاة‏.‏ وأصحّ ما جاء فيها‏:‏

2/439 ما رويناه في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري‏(‏ رضي اللّه عنه‏)‏أنه قال‏:‏ سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏هيَ ما بَيْنَ أنْ يَجْلِس الإِمامُ إلى أنْ يَقْضِيَ الصَّلاةَ‏"‏ يعني يجلس على المنبر‏.‏

أما قراءةُ سورة الكهف، والصَّلاةُ على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجاءتْ فيهما أحاديث مشهورة تركتُ نقلَها لطول الكتاب؛ لكونها مشهورة، وقد سبق جملة منها في بابها‏.‏ (2)

3/440 وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي اللّه عنه،عن النبيّ ‏(‏صلى اللّه عليه وسلم ‏)‏قال‏:‏ ‏"‏مَنْ قالَ صَبِيحَةَ يَوْمِ الجُمُعَةِ قَبْلَ صَلاةِ الغَدَاةِ‏:‏ أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ‏"‏‏.‏‏(3)

4/441 وروينا فيه، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان رسولُ اللّه‏(‏ صلى اللّه عليه وسلم‏)‏ إذا دخل المسجد يومَ الجمعة أخذ بعضادتي الباب ثم قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اجْعَلْني أوْجَهَ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْكَ، وأقْرَبَ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْكَ، وأفْضَلَ مَنْ سألَكَ وَرَغِبَ إِلَيْكَ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ يُستحبّ لنا نحن أن نقول‏:‏ اجْعَلْني مِنْ أوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْكَ وَمِنْ أقْرَبِ وَمِنْ أَفْضَلِ‏.‏ فنزيد لفظة (4)

وأما القراءة المستحبة في صلاة الجمعة وفي صلاة الصبح يوم الجمعة فتقدّم بيانها في باب أذكار الصلاة‏.‏

5/442 وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرَأ بَعْدَ صَلاةِ الجُمُعَةِ‏:‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفَلَقِ، وَقُلْ أعُوذُ بِرَبّ النَّاسِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ أعاذَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِها مِنَ السُّوءِ إلى الجُمُعَةِ الأُخْرَى‏"‏‏.‏(5)

 فصل‏:‏ يُسْتَحَبُّ الإِكثار من ذكر اللّه تعالى بعد صلاة الجمعة، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏‏[‏الجمعة‏:‏10‏[‏‏.‏

 بابُ الأذْكَارِ المشروعةِ في العِيدين

اعلم أنه يُستحبّ إحياء ليلتي العيدين بذكر اللّه تعالى والصلاة وغيرهما من الطاعات للحديث الوارد في ذلك‏:‏ ‏"‏مَنْ أَحْيا لَيْلَتي العِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ القُلُوبُ‏"‏ ورُوي ‏"‏مَنْ قَامَ لَيْلَتي العِيدَيْنِ لِلَّهِ مُحْتَسِباً لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حينَ تَمُوتُ القُلُوبُ‏"‏ هكذا جاء في رواية الشافعي وابن ماجه ‏(6)‏ ، وهو حديث ضعيف رويناه من رواية أبي أمامة مرفوعاً وموقوفاً، وكلاهما ضعيف، لكن أحاديث الفضائل يُتسامح فيها كما قدّمناه في أوّل الكتاب‏.‏

واختلف العلماءُ في القدر الذي يَحصل به الإِحياءُ، فالأظهرُ أنه لا يحصل إلا بمعظم الليل، وقيل‏:‏ يَحصل بساعة‏.‏

 فصل‏:‏ ويستحبّ التكبير ليلتي العيدين، ويُستحبّ في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يُحرم الإِمام بصلاة العيد، ويُستحبّ ذلك خلفَ الصلواتِ وغيرها من الأحوال‏.‏ ويُكثر منه عند ازدحام الناس، ويُكَبِّر ماشياً وجالساً ومضطجعاً، وفي طريقه، وفي المسجد، وعلى فراشه، وأما عيدُ الأضحى فيُكَبِّر فيه من بعد صلاة الصبح من يوم عَرَفة إلى أن يصليَ العصر من آخر أيام التشريق، وَيُكَبِّر خلفَ هذه العَصْرِ ثم يقطع، هذا هو الأصحّ الذي عليه العمل، وفيه خلاف مشهور في مذهبنا ولغيرنا، ولكن الصحيح ما ذكرناه، وقد جاء فيه أحاديث رويناها في سنن البيهقي، وقد أوضحتُ ذلك كلَّه من حيث الحديث ونقل المذهب في شرح المهذّب وذكرتُ جميعَ الفروع المتعلقة به، وأنا أُشيرُ هنا إلى مقاصده مختصرة‏.‏

قال أصحابنا‏:‏ لفظ التكبير أن يقول‏:‏ ‏"‏اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ‏"‏ هكذا ثلاثاً متواليات، ويكرّر هذا على حسب إرادته‏.‏ قال الشافعي والأصحاب‏:‏ فإن زادَ فقال‏:‏ ‏"‏اللّه أكْبَرُ كَبيراً، والحَمْدُ لِلَّهِ كَثيراً، وَسُبْحانَ اللَّهِ بُكْرَةً وأصِيلاً، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلا نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدينَ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُون، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّه واللَّهُ أكْبَرُ‏"‏ كانَ حَسَناً‏.‏

وقال جماعة من أصحابنا‏:‏ لا بأسَ أن يقول ما اعتاده الناسُ، وهو ‏"‏اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ ولِلَّهِ الحَمْدُ‏"‏‏.‏

 فصل‏:‏ اعلم أن التكبير مشروعٌ بعد كلّ صلاة تُصلَّى في أيام التكبير، سواء كانت فريضة أو نافلة أو صلاة جنازة، وسواءٌ كانت الفريضة مؤدّاة أو مقضية أو منذروة، وفي بعض هذا خلاف ليس هذا موضع بسطه، ولكن الصحيح ما ذكرته وعليه الفتوى وبه العمل، ولو كبَّرَ الإِمامُ على خلاف اعتقاد المأموم بأن كان يَرى الإِمامُ التكبيرَ يوم عرفة أو أيام التشريق، والمأموم لا يَراه، أو عكسه، فهل يتابعه، أم يعمل باعتقاد نفسه‏؟‏ فيه وجهان لأصحابنا‏:‏ الأصحُّ يَعمل باعتقاد نفسه، لأن القدوة انقطعتْ بالسلام من الصلاة بخلاف ما إذا كبَّر في صلاة العيد زيادة على ما يراه المأموم، فإنه يُتابعه من أجل القُدوة‏.‏

 فصل‏:‏ والسُّنّة أن يُكبر في صلاة العيد قبل القراءة تكبيراتٍ زوائد، فيُكَبِّر في الركعة الأولى سبعَ تكبيرات سوى الافتتاح، وفي الثانية خمسَ تكبيرات سوى تكبيرة الرفع من السجود، ويكونُ التكبيرُ في الأولى بعد دعاء الاستفتاح وقبل التعوّذ، وفي الثانية قبل التعوّذ‏.‏ ويستحبّ أن يقولَ بين كل تكبيرتين‏:‏ سبحان اللَّه والحمد للّه ولا إِله إِلاَّ اللّه واللّه أكبر، هكذا قاله جمهور أصحابنا‏.‏ وقال بعض أصحابنا‏:‏ يقول‏:‏ ‏"‏لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ‏"‏‏.‏

وقال أبو نصر بن الصباغ وغيره من أصحابنا‏:‏ إن قال ما اعتاده الناس فحَسَن، وهو ‏"‏اللَّهُ أكْبَرُ كَبيراً، والحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيراً، وَسُبْحانَ اللَّهِ بُكْرَةً وأصِيلاً‏"‏ وكل هذا على التوسعة، ولا حَجْرَ في شيء منه، ولو ترك جميع هذا الذكر وترك التكبيرات السبع والخمس، صحَّتْ صلاته ولا يسجد للسهو، ولكن فاتته الفضيلة؛ ولو نسي التكبيرات حتى افتتح القراءة لم يرجع إلى التكبيرات على القول الصحيح‏.‏ وللشافعي قول ضعيف أنه يرجع إليها‏.‏ وأما الخطبتان في صلاة العيد فيُستحبّ أن يُكَبِّرَ في افتتاح الأولى تسعاً، وفي الثانية سبعاً‏.‏ وأما القراءة في صلاة العيد فقد تقدَّم بيان ما يُستحبّ أن يقرأ فيها في باب صفة أذكار الصلاة، وهو أنه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة ‏"‏ق‏"‏، وفي الثانية ‏{‏اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ‏}‏ وإن شاء في الأولى ‏{‏سَبِّحِ اسْم رَبِّكَ الأعْلَى‏}‏ وفي الثانية ‏{‏هَل أتاكَ حَدِيثُ الغاشِيَة‏.‏

 بابُ الأَذْكارِ في العَشْر الأُوَلِ من ذي الحِجّة

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَذْكُروا اسْمَ اللَّهِ فِي أيَّامٍ مَعْلُوماتٍ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏28‏[‏ الآية‏.‏ قال ابن عباس والشافعي والجمهور‏:‏ هي أيامُ العشر‏.‏

واعلم أنه يُستحبُّ الإِكثار من الأذكار في هذا العشر زيادةً على غيره، ويُستحب من ذلك في يوم عَرَفة أكثر من باقي العشر‏.‏

1/443 روينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ مِنْها في هَذِهِ قالوا‏:‏ وَلا الجهادُ فِي سَبيل اللّه‏؟‏ قال‏:‏ وَلا الجِهادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِهِ وَمالِه فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ‏"‏ هذا لفظ رواية البخاري وهو صحيح‏.‏ وفي رواية الترمذي‏:‏ ‏"‏ما مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهنَّ أحَبُّ إلى اللّه تعالى مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ‏"‏ وفي رواية أبي داود مثل هذه، إلا أنه قال‏:‏ ‏"‏مِنْ هَذِهِ الأيَّام‏"‏ يعني العشر‏.‏ ‏(7)

2/444 ورويناه في مسند الإِمام أبي محمد عبد اللّه بن عبد الرحمن الدارمي، بإسناد الصحيحين، قال فيه‏:‏

‏"‏ما العَمَلُ فِي أيَّامٍ أفْضَلَ مِنَ العَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، قيل‏:‏ ولا الجهاد‏؟‏‏"‏ وذكر تمامه، وفي رواية ‏"‏عَشْرِ الأضْحَى‏"‏‏.‏‏(8)

3/445 وروينا في كتاب الترمذي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده،عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏خَيْرُ الدُّعاءِ دعاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ ما قُلْتُ أنا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي‏:‏ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏"‏ ضعَّفَ الترمذي إسناده‏.‏ (9)

4/446 ورويناه في موطأ الإِمام مالك، بإسناد مرسل وبنقصان في لفظه، ولفظه‏:‏ ‏"‏أفْضَلُ الدُّعاءِ دعاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وأفْضَلُ ما قُلْتُ أنا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي‏:‏ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ‏"‏‏.

وبلغنا عن سالم (10)‏ بن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهم؛ أنه رأى سائلاً يسألُ الناسَ يوم عَرَفَةَ، فقال‏:‏ يا عاجزُ‏!‏ في هذا اليوم يُسألُ غيرُ اللّه عزّ وجلّ‏؟‏

وقال البخاري في صحيحه ‏(11)‏ ‏:‏ كان عمر رضي اللّه عنه يُكَبِّرُ في قُبَّتِهِ بمنى فيسمعه أهلُ المسجد فيُكبِّرون ويُكَبِّر أهلُ الأسواق حتى ترتجّ مِنىً تكبيراً‏.‏ قال البخاري ‏"‏وكان ابنُ عمرَ يُكبِّر بِمنىً تلك الأيام وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً‏"‏‏)‏ ‏:‏ وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي اللّه عنهما يَخرجان إلى السوق في أيام العشر يُكَبِّران ويُكَبِّر الناسُ بتكبيرهما‏.‏ ‏(12)